أسأل الله العظيم رب العرش العظيم
أن يرزقنا حسن التوكل عليه
ولا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك
اللـهم آ مــين فى القرن الماضى كان أكبر صنم يعبده المسلمون تلك الأضرحة والقبور الموجودة بالمساجد على اختلاف المسلمون فى درجة وكيفية الاعتقاد في أصحاب هذه الأضرحة ولذلك كان همّ من يتكلم في التوحيد الحق هو محاربة الاعتقادات الباطلة في أصحاب القبور ولكن اليوم تغير الصنم ولم يعد صنما ساذجا ًكتلك الأصنام التي عبدها كفار مكة من حجر أو عجوة .. الآن الصنم الجديد له قدرة وتأثير مشاهد وأحيانا يقع في عبادته المسلم الملتزم بدين ربه وأخطر ما في الأمر هو عدم الإدراك لحقيقة هذا الصنم والخلط في التعامل معه .. إنه الصنم الأكبر الذى يشترك لأول مرة المسلمون مع المشركون من كل الملل فى عبادته إنه ( الأسبــــــــاب ) لذلك لنا وقفتين الأولى : مع صنم الأسباب فى الشرع والثانية : مع الواقع الاليم الذى يبين ويؤكد الوقوع فى عبادته لترى التوحيد العملي عند المسلمين ثم نشرع في تصحيح المسار الوقفة الأولى ( صنم الأسبــــــــاب)
أورد شيخ الإسلام ابن تيميه عن الأسبــــــــاب قوله :
( الالتفات إلى الأسبــــــــاب شرك ..
وترك الأسبــــــــاب بالكلية نقص فى العقل ..
ومنع الأسبــــــــاب أن تكون أسباباً قدح في الشرع )
وأضيف قول ابن القيم :( إن الله يأتي بالأشياء بالأسبــــــــاب .. ويأتي بالأشياء بغير الأسبــــــــاب .. ويأتي بالأشياء بضد الأسبــــــــاب) سبحانه إنه على كل شىء قدير .. وانظر إلى آيات القرآن أولا: أمرت بالأسبــــــــاب قال تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " ثانيا: نهت عن الالتفات والاعتماد عليها (الأسبــــــــاب)فقال تعالى "ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا " ثالثا : بين أنه قد يأتي النصر بغيرها (الأسبــــــــاب) قال تعالى " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ " هذه تربية عملية مع الأمر بالأسبــــــــاب لا أريد التوسع فى شرح كلام ابن تيمية فهو موجود للاستزادة (مجموع الفتاوى ج / ولكن الواقع العملي يبين الاكتفاء بالالتفات إلى الأسبــــــــاب والركون إليها والاعتماد عليها حتى أصبحت صنما أعظم ..تأمل ما يحدث للناس من مكروه أو غيره
كيف يرجعونه إلى الأسبــــــــاب أو أشخاص أو أحداث
وقد قال تعالى (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۗ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)
76الحج
لهذا عرف السلف التوحيد بقولهم:
" أن ترى كل شيء من الله رؤية تقطع الالتفات إلى الأسبــــــــاب.."
أنت إذا أردت فعل شىء تنظر الى نفسك وقدرتها عليه
فإن استطعت أقبلت .. وإن عجزت أعرضت ..
أو تنظر إلى قدره الناس معك ..
وتفعل كذلك وكل هذا نظر إلى الأسبــــــــاب
أما النظر إلى رب الأسبــــــــاب
فأنت أحيانا تتوجه إليه عند وجود القدرة والأسبــــــــاب ..
أو عند وجود بعض القدرة وبعض الأسبــــــــاب ..
ولا تتوجه إليه عند استحالة الأسبــــــــاب ..
وهذا نقص فى توحيدك وإيمانك ..
تأمل زكريا عليه السلام :
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)
مريم
إنه يتوجه إلى ربه مع استحالة الأسبــــــــاب
ويؤكد الاستحالة بين يدى الدعاء "وهن العظم "
وهو أقوى ما فيه .... اشتعل الرأس شيبا ..... امراتى عاقرا .....
ولكن الإيمان واليقين بقدرة الله وتجربته السابقة مع ربه
"ولم أكن بدعائك ربي شقيا "
دفعته الى التوجه لربه ولسان حاله يقول ما سألتك وخذلتنى
أو طلبت منك وتركتني فبسابق إجابتك لي أسالك ...
هذا توحيد عملي من زكريا عليه السلام في خصوصيات حياته ...
إن كثيراً من الناس وقفوا مع صنم الأسبــــــــاب
ولم يتوجهوا إلى الله فى كل حركاتهم وآمالهم
أصبح "الله " فى حياتهم
هو الذي يصلون له ويزكون ويعتمرون ويحجون
ويذهبون إلى بيته يوم الجمعة
وليس موجوداً في باقي حياتهم
وليس أدل على ذلك من تجارب الشعوب ..
والأمثال التي هى إفراز لتجارب الشعوب أصدق دليل
ففى مصر تجربة شعب في مثل جحا المصري ..
قالوا له أين تذهب يا جحا ؟
قال إلى السوق لأشترى حماراً
قالوا له قل إن شاء الله
فقال وأقول إن شاء الله ليه !!!
الفلوس في جيبي والحمار في السوق
فلما عاد خاليا
قالوا ماذا فعلت؟
قال إن شاء الله الفلوس اتسرقت !!!
إنه النظر إلى الأسبــــــــاب واليقين عليها
الفلوس في جيبي والحمار في السوق
وغاب عنه السلب بعد العطاء
وأكثرنا جحا إذا توفرت له الأسبــــــــاب
أقبل على الفعل ملتفتا إليها وإذا لم تتوفر له الأسباب أعرض
ولم يلتفت إلى ربه وأسمائه وصفاته التي أمرنا أن ندعوه بها
"ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها"
سألت الكثيرين وأسالك .. كم اسم لله ؟
الكل يجيب تسعة وتسعين اسماً
مع أن الأسماء في الحقيقة أكثر من ذلك كما سنبين فيما بعد
ولكن السؤال الأهم دعوت الله بكم اسم من الأسماء التسعة والتسعين
إجابة الكثيرين لا تتعدى أصابع اليدين أو اليد الواحدة و اسال نفسك
مع أن كل موقف من مواقف حياتك تحتاج فيها أن تدعو الله
بإسم يتناسب مع هذا الموقف
ولن تموت لن تموت حتى تتعرض لجميع المواقف
التي تستلزم الدعاء بجميع الأسماء
حتى إذا كنت في قبرك وسئلت من ربك
تكون الإجابة ليس كما يقول الناس ولكن كما جربته فى حياتك
وكما قال إبراهيم :
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)
الشعراء
إحذروا ( أكبر صنم ) يعبده المسلمون والمشركون معا
- ماذا لو وجدت نفسك تثور بها الشهوات
وتشتعل فيها أقبح الأمنيات
وتعجز عن كبح جماحها ؟
بل ماذا لو أن امرأه امتلىء قلبها بحبك
واشتعل فيها بركان الشغف إلى قربك؟
إنك إن تملك نفسك عما تجده في قلبك من امرأه
لن تملك نفسك عما تجده في قلب امرأه منك
وقد شغفها الحب وتأمرت على طلب القرب
وهى صاحبة سطوة
وأنت صاحب كبوة
- ماذا لو رايت نفسك وحيداً طريداً شريداً
لا أهل ولا مال ولا عمل ولا مأوى ؟
- ماذا لو رأيت نفسك صاحب مال
تستطيع شراء الوديان والجبال
وتُسخر به جحافل الرجال ؟
- ماذا لو ضرب المرض في أعضاءك
ولم يكن أحد على الارض في مثل بلاءك ؟
- ماذا لو غلبك الناس على أمرك
وأصبح كل من على الأرض ضدك ؟
- ماذا لو ؟
- ماذا لو ؟
اعلم أخي الحبيب أن الأيام ستتغير عليك بين هذا وذاك
وإن لم يكن بنفس التفاصيل والأوصاف
لكنها أيام بين
طاعة ومعصية
بين قوة و ضعف
بين فقر وغنى
بين مرض وصحة
بين عز و ذل
بين فرح وحزن
بين علم وجهل
بين وبين
واعلم أخي الحبيب أن الله تبارك وتعالى يريد بذلك أن
يستخرج منك عبودية السراء وعبودية الضراء
وأن يسمع نداءك ودعاءك في كل ذلك
والتوحيد العملي أن نؤمن بذلك ونتوجه إلى الله فيه فهو القائل
"قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء
وتنزع الملك ممن تشاء
وتعز من تشاء وتذل من تشاء
بيدك الخير انك على كل شىء قدير "
فالملك ملكه .. والحكم حكمه .. والأمر أمره
وفى القرآن تطبيق عملي من الأنبياء عليهم السلام في التوجه إلى الله
فهذا يوسف عليه السلام :
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ
(33)فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
يوسف
وأنت لابد إن تعرضت لذلك أن تجأر إليه " ان لم تعصمنى هلكت "
وسط أمواج الشهوات المتلاطمه ليس لك من ينتشل يدك الغارقة غيره
فهل مددت يدك ؟
هل ارتفع منك نداء "من يعصمنى غيرك "؟
وهذا موسى عليه السلام يخرج خائفا يترقب
لا مال ولا أهل ولا عمل ولا مأوى
(فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24)فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(25)قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين
(26)قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ(27)"
القصص
توجه إلى ربه وهو جالس في الظل وقبل أن يقوم من الظل
جاءه الأمان وشقة و عروسة وعقد عمل بثمان سنين ..
يا من تريد عملا ً
يامن تريد زوجة
كيف حال توجهك إلى الله ؟
ولو قلت لي دعوت ولم يستجب لي
فاعلم أن الإجابة مستفيضه في اللقاءات القادمة
- تأمل سليمان وقد أُعطى المال والجن والرجال
فتوجه إلى ربه
" رب أوزعنى ان اشكر نعمتك التى انعمت على "
بينما قارون قال :
"إنما أوتيته على علم عندي "
- تأمل أيوب وهو ينادي:
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (84)
الأنبياء
وكان قد ضاع ماله وحشمه و عياله ولم يترك له المرض عضوا ً..
- تأمل نوح عليه السلام :
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)
الصافات
وقال :
فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)
فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)
القمر
- تأمل توجه يونس و ابراهيم و زكريا وعيسى
و باقى الأنبياء عليهم السلام في مواقف متغايره
أنت تتعرض لها
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
البقرة
لكن قال : " أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ "
" إِذَا دَعَانِ "... تأمل ... " إِذَا دَعَانِ "
لهذا قال شيخ الاسلام ابن تيميه :
"إن الدعاء من أهم الأسبــــــــاب"
والناس يأخذون بكل الأسبــــــــاب إلا أهمها
تأمل ابراهيم عليه السلام يخالف نواميس الأسبــــــــاب
فيترك الأسبــــــــاب أو قل هى تركته كلها
مع أن الشرع أمر بها ولم يأت منها إلا بالدعاء
"رب أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم
ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم
و ارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون
ربنا إنك تعلم ما نخفى وما نعلن
وما يخفى على الله من شىء في الأرض ولا فى السماء "
- تأمل رجل يترك امرأه ورضيع في جبال
وسط صحراء ولا زرع ولا ماء ولا بشر ثم ينصرف
فتقول : " إلى من تتركنا يا ابراهيم "
فيلتف لا يستطيع جواباً ويخفي في قلبه كل مشاعر أب
عاش عمره بلا ولد , ويتمنى الولد
فلما جاءه بعد مائة عام يتركه للهلاك
رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38)
ابراهيم
وتقول له زوجته آآ الله أمرك بهذا ؟
فيقول : نعم قالت إذاً لن يُضيعنا .
هنا سقطت الأسبــــــــاب أمام أمر الله ولم يبقى إلا الدعاء
فدعا ابراهيم وأيقنت هاجر أن أمر الله لا يُضٍيع
وأصبحت رحلة اليقين والاستسلام
ركن من أركان الاسلام
- يقال أن هاجر لما اشتد صراخ رضيعها وليس معها ماء ولا غذاء
صعدت الصفا لتنظر لعلها تجد طيراً في السماء
يدل على الماء أو سببا من الأسبــــــــاب
فلم تجد فنزلت إلى المروة وصعدت تنظر فلم تجد
كررت ذلك سبع مرات بحثاً وطلبا ًللسبب
وصراخ رضيعها يدوي وسط الجبال
فلما أعياها البحث وأجهدها التعب وسقطت كل الأسبــــــــاب
نظرت إلى السماء وقالت:
" يارب جف ضرعى "
" يارب جف ضرعى "
فنزل جبريل في الحال وضرب الأرض بجناحه
فانفجر الماء
وقال لو دعوتنا من أول مرة لأجبناك ..