إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
أيها المشاهدون الكرام، إن القرآن الكريم هو حبل الله المتين، والصراط المستقيم، عصمة لكل من تمسك به، ونجاة لمن اتبعه ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾[هود:1] ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾[فصلت:42،41] فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، مَن تركه مِن جبار؛ قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره؛ أضله الله، وقد تكفل الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، فقال تعالى ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾[ طـه:123-127] .
وقراءة القرآن -أيها الأخوة- قربة من أعظم القرب، وعبادة من أجلِّ العبادات، يعطي الله - تبارك وتعالى - عليها من الأجر والثواب ما لا يعطي على غيرها، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - كثرة هذا الأجر بقوله ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ) وحتى تتصور -أيها المسلم- كثرة هذا الأجر الذي يتفضل الله به عليك على قراءتك القرآن، أقول لك: سورة الفاتحة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾ فيها مائة وثلاثة عشر حرفا، فإذا قرأت الفاتحة مرة أعطاك الله - تبارك وتعالى - ألفاً ومائة وثلاثين حسنة، ألف ومائة وثلاثين حسنة يتفضل الله عليك بها على قراءتك الفاتحة مرة واحدة.
فتأمل -أيها المسلم- عظيم فضل الله عليك، وسل نفسك كم مرة تقرأ الفاتحة في الصلوات المفروضة؟ وكم مرة تقرأها لو أنك صليت السنن الرواتب القبلية والبعدية؟ فكم مليون حسنة تحصلها على قراءة الفاتحة وحدها، فكيف لو أنك جعلت لنفسك ورداً من القرآن تقرأه كل يوم، كم من الأجر تحصل! ولذلك كانت قراءة القرآن من التجارات الرابحة، كما قال الله - تبارك وتعالى - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر:29-30] .
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحث على الاجتماع على قراءة القرآن ومدارسته فكان - صلى الله عليه وسلم - يقول ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله تعالى، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
فلابد من قراءة القرآن، ومدارسته، ولابد من الاجتماع على ذلك؛ لأن المطلوب من القرآن الكريم هو العمل به: أن نحل حلاله، ونحرم حرامه، ونقف عند حدوده، المقصود من تنزيل القرآن الكريم أن يكون هذا القرآن دستوراً لنا، نطبقه في حياتنا كلها، ولا يمكن ذلك إلا بتفسير القرآن الكريم، وتحليل ألفاظه، ومعرفة أسباب نزوله، والناسخ والمنسوخ منه، وقد قامت قناة المجد الفضائية مشكورة على سعيها هذا بتخصيص حلقة من حلقاتها العلمية لمادة التفسير، وقد رأينا أن نبدأ هذه الحلقات من أول سورة الكهف، وسورة الكهف سورة مكية جاءت لتصحح العقائد الفاسدة، والمفاهيم الخاطئة، واعتمدت في أسلوبها على القصص وضرب الأمثال، فذكر الله - سبحانه وتعالى - في سورة الكهف ثلاث قصص :
قصة أصحاب الكهف .
وقصة موسى والخضر - عليهما السلام -
وقصة ذو القرنين .
وضرب الله - تبارك وتعالى - فيها المثل للغني المستكبر وكيف كانت نهاية كبره، وضرب فيها المثل للحياة الدنيا حتى لا يغتر الناس بها، وهذه السورة -سورة الكهف- سورة عظيمة الفضل، فقد جاء في فضلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ( من حفظ عشر آيات من آخر سورة الكهف؛ عُصم من الدجال ) وفى رواية ( من قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف؛ عُصم من الدجال ) .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحث على قراءة سورة الكهف كل يوم جمعة، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة؛ أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعة الآخرى ) وفى رواية ( أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق ) .
وسورة الكهف في ترتيبها في سور القرآن الكريم جاء بعد سورة الإسراء، وهناك مناسبة لوجود سورة الكهف بعد سورة الإسراء، من هذه المناسبة أن سورة الإسراء، افتتحت بقول ربنا ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾[الاسراء: 1] وافتتحت سورة الكهف بقول ربنا ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾[الكهف: 1] .
وهناك علاقة وطيدة بين التسبيح والتحميد؛ ولذلك يقرن الله - تبارك وتعالى - بينهما في الأمر بهما فيقول ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾[طـه: 130] ونحن نقول في ذلك سبحان الله، والحمد لله، كما نقول سبحان الله وبحمده.
ومن المناسبة أيضاً أن سورة الإسراء اختتمت بالحمد لله ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ﴾ [الاسراء:111] .
وافتتحت سورة الكهف بـ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ﴾ [الكهف:1] .
اختتمت سورة الإسراء بتنزيه الله - تبارك وتعالى - عن اتخاذ الولد ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ﴾ وافتتحت سورة الكهف بإنذار الذين قالوا اتخذ الله ولدا .
ونبدأ أولاً بالاستماع إلى الآيات المباركات، التي سنعيش معها في حلقتنا هذه -إن شاء الله تعالى- قبل الخوض في تفاصيلها، سائلين الله - عزّ وجلّ - أن ينجز لنا ما وعدنا، حيث قال ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[الأعراف:204] .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا * فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا * إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ﴾[الكهف : 1-8].
﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾[ص:29].
﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر:21].
﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر:23].
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ الحمد هو الثناء على الله بعظيم صفاته، وكثرة آلائه ونعمه التي أسبغها على عباده، فالله - سبحانه وتعالى - محمود على عظيم صفاته، وجلال كبريائه - سبحانه وتعالى - وهو -أيضاً- محمود على ما أنعم به على العباد من نعمه الظاهرة والباطنة، والدينية والدنيوية، ونعم الله - سبحانه وتعالى - كثيرة كما قال - عزّ وجلّ - ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ﴾[ابراهيم: 34] ولكن أعظم هذه النعم هي نعمه تنزيل الكتاب، أجلّ النعم على الإطلاق، وأعظم النعم على الإطلاق نعمة تنزيل الكتاب؛ ولذلك حمد الله نفسه عليها قبل أن يحمده من أنزل عليهم هذا الكتاب، فقال ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ .
فنعم الله - سبحانه وتعالى - عظيمة، وأعظمها على الإطلاق نعمة تنزيل الكتاب؛ لأنه بهذا الكتاب أخرج الله - تبارك وتعالى - الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن الحيرة والقلق إلى الطمأنينة واليقين، وكيف لا تكون هذه النعمة أعظم النعم وهذا الكتاب ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾[المائدة:16].
فتنزيل الكتاب نعمة عظيمة جداً، يجب علينا أن نكثر من حمد الله - تبارك وتعالى - علينا، ولذلك حين ترى الله - سبحانه وتعالى - يمنُّ على عباده بنعمه، ويذكرهم بها، تراه يستفتح بذكر نعمة تنزيل الكتاب، في سورة الرحمن وهي سورة النعم، ذكّر الله - تبارك وتعالى - فيها الثقلين بآلائه وإنعامه، استفتح الله - تبارك وتعالى - بذكر نعمة التنزيل نعمة القرآن فقال - عزّ وجلّ - ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ فقدم ذكر نعمة القرآن قبل نعمة الخلق؛ لأن الإنسان بلا قرآن لا قيمة له ولا وزن له، وإنما بالقرآن يرتفع قدر الإنسان، ويرتفع ذكره، ويكون له الذكر الحسن في الدنيا، والجزاء الحسن في الآخرة، ولذلك قال الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - ﴿ وَإِنَّهُ ﴾ أي القرآن ﴿ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾[الزخرف:44] .
وقال لمن أنزل عليهم ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾[الانبياء:10] .
فالحمد لله على نعمة تنزيل هذا القرآن الكريم ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ المراد بالعبد محمد - صلى الله عليه وسلم - وإضافة الاسم عبد إلى ضمير الله - عزّ وجلّ - ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ فيها من التكريم والتشريف للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما فيها، والعبودية لقب عظيم جداً لقب الله - سبحانه وتعالى - به نبيه - صلى الله عليه وسلم - في المقامات العظيمة الشريفة، لقبه به في مقام التنزيل فقال ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ ولقبه به في مقام الدعوة فقال ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ﴾ [الجـن:19] .
ولقبه به في مقام الإسراء فقال ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ .
ولقبه به في مقام التحدي فقال: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ﴾[البقرة:23] فالعبودية لله شرف عظيم جداًَ للعبد؛ ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب هذا اللقب، ويحب أن ينادى به، وكان يقول: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله )وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول ( أيها الناس،ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله - تبارك وتعالى - إن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبيا).
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ والله - سبحانه وتعالى - حين أنزل على عبده محمد - صلى الله عليه وسلم - الكتاب إنما أنعم على البشرية كلها بهذا الكتاب، فلماذا خص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر في الحمد ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ ولم يقل: الحمد لله الذي أنزل الكتاب، وإن كان نزول الكتاب نعمة على الإنسانية كلها؟
إنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر؛ لأن نعمة الله عليه في اصطفائه واجتبائه لتنزيل الكتاب عليه أعظم من نعمة التنزيل على غيره، الكتاب نُزِّل على الناس كلهم، ولكنه هو الذي تلقاه، وأوحاه الله - تبارك وتعالى - إليه، فكانت نعمة الله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في التنزيل أعظم من نعمة من نُزل عليهم الكتاب؛ ولذلك حسدته قريش على هذه النعمة ﴿ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾[الزخرف:31] فقال الله تعالى ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ﴾[الزخرف:32] فيجب علينا أن نكثر من حمد الله - سبحانه وتعالى - على هذه النعمة نعمة تنزيل الكتاب، وأن نعنى بهذا الكتاب تلاوة، وتدبراً، وفهماً، وعملاًَ، وتعليماً، ودعوة، ومدارسة.
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ الكتاب هكذا معرف، وكأن هذا القرآن من العربية بمكان بحيث إذا قيل الكتاب انصرف الذهن إلى هذا القرآن الذي أنزله الله - تبارك وتعالى - على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ فهو كتاب معلوم، وكتاب معهود، وكتاب معروف، بحيث إذا قيل الكتاب علم السامع أن المراد به القرآن المجيد .