مســـلمون بـــلا حــدود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
كل سنة وانتو طيبين يا احلى اعضاء ... فات على افتتاح المنتدى سنة كاملة ... سنة اعلن فيها اننا استطاعنا انجاز كثير من الاعمال .. وتفوقنا على انفسنا لنخرج هذا المنتدى العظيم بهذا الشكل .. فعلا يستحق ان يطلق عليه .. .:: مسلون بلا حدود ::. ( نرجو من الله .. ان يساعدنا لكى نكمل مسيرتنا نحو اعلاء كلمة الله ورسوله " صلى الله عليه وسلم ")

 

 تفسير سورة الكهف ( من حلقات العلم الشرعي )

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
مسلم
رئيس تحرير المراسلين
مسلم


ذكر
عدد المساهمات : 31

تفسير سورة الكهف  ( من حلقات العلم الشرعي ) Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الكهف ( من حلقات العلم الشرعي )   تفسير سورة الكهف  ( من حلقات العلم الشرعي ) I_icon_minitimeالثلاثاء 30 مارس - 22:51

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .

أيها المشاهدون الكرام، إن القرآن الكريم هو حبل الله المتين، والصراط المستقيم، عصمة لكل من تمسك به، ونجاة لمن اتبعه ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾[هود:1] ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾[فصلت:42،41] فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، مَن تركه مِن جبار؛ قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره؛ أضله الله، وقد تكفل الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، فقال تعالى ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾[ طـه:123-127] .
وقراءة القرآن -أيها الأخوة- قربة من أعظم القرب، وعبادة من أجلِّ العبادات، يعطي الله - تبارك وتعالى - عليها من الأجر والثواب ما لا يعطي على غيرها، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - كثرة هذا الأجر بقوله ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ) وحتى تتصور -أيها المسلم- كثرة هذا الأجر الذي يتفضل الله به عليك على قراءتك القرآن، أقول لك: سورة الفاتحة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾ فيها مائة وثلاثة عشر حرفا، فإذا قرأت الفاتحة مرة أعطاك الله - تبارك وتعالى - ألفاً ومائة وثلاثين حسنة، ألف ومائة وثلاثين حسنة يتفضل الله عليك بها على قراءتك الفاتحة مرة واحدة.
فتأمل -أيها المسلم- عظيم فضل الله عليك، وسل نفسك كم مرة تقرأ الفاتحة في الصلوات المفروضة؟ وكم مرة تقرأها لو أنك صليت السنن الرواتب القبلية والبعدية؟ فكم مليون حسنة تحصلها على قراءة الفاتحة وحدها، فكيف لو أنك جعلت لنفسك ورداً من القرآن تقرأه كل يوم، كم من الأجر تحصل! ولذلك كانت قراءة القرآن من التجارات الرابحة، كما قال الله - تبارك وتعالى - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر:29-30] .
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحث على الاجتماع على قراءة القرآن ومدارسته فكان - صلى الله عليه وسلم - يقول ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله تعالى، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
فلابد من قراءة القرآن، ومدارسته، ولابد من الاجتماع على ذلك؛ لأن المطلوب من القرآن الكريم هو العمل به: أن نحل حلاله، ونحرم حرامه، ونقف عند حدوده، المقصود من تنزيل القرآن الكريم أن يكون هذا القرآن دستوراً لنا، نطبقه في حياتنا كلها، ولا يمكن ذلك إلا بتفسير القرآن الكريم، وتحليل ألفاظه، ومعرفة أسباب نزوله، والناسخ والمنسوخ منه، وقد قامت قناة المجد الفضائية مشكورة على سعيها هذا بتخصيص حلقة من حلقاتها العلمية لمادة التفسير، وقد رأينا أن نبدأ هذه الحلقات من أول سورة الكهف، وسورة الكهف سورة مكية جاءت لتصحح العقائد الفاسدة، والمفاهيم الخاطئة، واعتمدت في أسلوبها على القصص وضرب الأمثال، فذكر الله - سبحانه وتعالى - في سورة الكهف ثلاث قصص :
قصة أصحاب الكهف .
وقصة موسى والخضر - عليهما السلام -
وقصة ذو القرنين .
وضرب الله - تبارك وتعالى - فيها المثل للغني المستكبر وكيف كانت نهاية كبره، وضرب فيها المثل للحياة الدنيا حتى لا يغتر الناس بها، وهذه السورة -سورة الكهف- سورة عظيمة الفضل، فقد جاء في فضلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ( من حفظ عشر آيات من آخر سورة الكهف؛ عُصم من الدجال ) وفى رواية ( من قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف؛ عُصم من الدجال ) .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحث على قراءة سورة الكهف كل يوم جمعة، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة؛ أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعة الآخرى ) وفى رواية ( أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق ) .
وسورة الكهف في ترتيبها في سور القرآن الكريم جاء بعد سورة الإسراء، وهناك مناسبة لوجود سورة الكهف بعد سورة الإسراء، من هذه المناسبة أن سورة الإسراء، افتتحت بقول ربنا ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾[الاسراء: 1] وافتتحت سورة الكهف بقول ربنا ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾[الكهف: 1] .
وهناك علاقة وطيدة بين التسبيح والتحميد؛ ولذلك يقرن الله - تبارك وتعالى - بينهما في الأمر بهما فيقول ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾[طـه: 130] ونحن نقول في ذلك سبحان الله، والحمد لله، كما نقول سبحان الله وبحمده.
ومن المناسبة أيضاً أن سورة الإسراء اختتمت بالحمد لله ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ﴾ [الاسراء:111] .
وافتتحت سورة الكهف بـ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ﴾ [الكهف:1] .
اختتمت سورة الإسراء بتنزيه الله - تبارك وتعالى - عن اتخاذ الولد ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ﴾ وافتتحت سورة الكهف بإنذار الذين قالوا اتخذ الله ولدا .
ونبدأ أولاً بالاستماع إلى الآيات المباركات، التي سنعيش معها في حلقتنا هذه -إن شاء الله تعالى- قبل الخوض في تفاصيلها، سائلين الله - عزّ وجلّ - أن ينجز لنا ما وعدنا، حيث قال ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[الأعراف:204] .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا * فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا * إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ﴾[الكهف : 1-8].
﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾[ص:29].
﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر:21].
﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر:23].
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ الحمد هو الثناء على الله بعظيم صفاته، وكثرة آلائه ونعمه التي أسبغها على عباده، فالله - سبحانه وتعالى - محمود على عظيم صفاته، وجلال كبريائه - سبحانه وتعالى - وهو -أيضاً- محمود على ما أنعم به على العباد من نعمه الظاهرة والباطنة، والدينية والدنيوية، ونعم الله - سبحانه وتعالى - كثيرة كما قال - عزّ وجلّ - ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ﴾[ابراهيم: 34] ولكن أعظم هذه النعم هي نعمه تنزيل الكتاب، أجلّ النعم على الإطلاق، وأعظم النعم على الإطلاق نعمة تنزيل الكتاب؛ ولذلك حمد الله نفسه عليها قبل أن يحمده من أنزل عليهم هذا الكتاب، فقال ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ .
فنعم الله - سبحانه وتعالى - عظيمة، وأعظمها على الإطلاق نعمة تنزيل الكتاب؛ لأنه بهذا الكتاب أخرج الله - تبارك وتعالى - الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن الحيرة والقلق إلى الطمأنينة واليقين، وكيف لا تكون هذه النعمة أعظم النعم وهذا الكتاب ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾[المائدة:16].
فتنزيل الكتاب نعمة عظيمة جداً، يجب علينا أن نكثر من حمد الله - تبارك وتعالى - علينا، ولذلك حين ترى الله - سبحانه وتعالى - يمنُّ على عباده بنعمه، ويذكرهم بها، تراه يستفتح بذكر نعمة تنزيل الكتاب، في سورة الرحمن وهي سورة النعم، ذكّر الله - تبارك وتعالى - فيها الثقلين بآلائه وإنعامه، استفتح الله - تبارك وتعالى - بذكر نعمة التنزيل نعمة القرآن فقال - عزّ وجلّ - ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ فقدم ذكر نعمة القرآن قبل نعمة الخلق؛ لأن الإنسان بلا قرآن لا قيمة له ولا وزن له، وإنما بالقرآن يرتفع قدر الإنسان، ويرتفع ذكره، ويكون له الذكر الحسن في الدنيا، والجزاء الحسن في الآخرة، ولذلك قال الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - ﴿ وَإِنَّهُ ﴾ أي القرآن ﴿ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾[الزخرف:44] .
وقال لمن أنزل عليهم ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾[الانبياء:10] .
فالحمد لله على نعمة تنزيل هذا القرآن الكريم ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ المراد بالعبد محمد - صلى الله عليه وسلم - وإضافة الاسم عبد إلى ضمير الله - عزّ وجلّ - ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ فيها من التكريم والتشريف للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما فيها، والعبودية لقب عظيم جداً لقب الله - سبحانه وتعالى - به نبيه - صلى الله عليه وسلم - في المقامات العظيمة الشريفة، لقبه به في مقام التنزيل فقال ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ ولقبه به في مقام الدعوة فقال ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ﴾ [الجـن:19] .
ولقبه به في مقام الإسراء فقال ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ .
ولقبه به في مقام التحدي فقال: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ﴾[البقرة:23] فالعبودية لله شرف عظيم جداًَ للعبد؛ ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب هذا اللقب، ويحب أن ينادى به، وكان يقول: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله )وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول ( أيها الناس،ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله - تبارك وتعالى - إن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبيا).
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ والله - سبحانه وتعالى - حين أنزل على عبده محمد - صلى الله عليه وسلم - الكتاب إنما أنعم على البشرية كلها بهذا الكتاب، فلماذا خص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر في الحمد ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ ولم يقل: الحمد لله الذي أنزل الكتاب، وإن كان نزول الكتاب نعمة على الإنسانية كلها؟
إنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر؛ لأن نعمة الله عليه في اصطفائه واجتبائه لتنزيل الكتاب عليه أعظم من نعمة التنزيل على غيره، الكتاب نُزِّل على الناس كلهم، ولكنه هو الذي تلقاه، وأوحاه الله - تبارك وتعالى - إليه، فكانت نعمة الله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في التنزيل أعظم من نعمة من نُزل عليهم الكتاب؛ ولذلك حسدته قريش على هذه النعمة ﴿ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾[الزخرف:31] فقال الله تعالى ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ﴾[الزخرف:32] فيجب علينا أن نكثر من حمد الله - سبحانه وتعالى - على هذه النعمة نعمة تنزيل الكتاب، وأن نعنى بهذا الكتاب تلاوة، وتدبراً، وفهماً، وعملاًَ، وتعليماً، ودعوة، ومدارسة.
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ الكتاب هكذا معرف، وكأن هذا القرآن من العربية بمكان بحيث إذا قيل الكتاب انصرف الذهن إلى هذا القرآن الذي أنزله الله - تبارك وتعالى - على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ فهو كتاب معلوم، وكتاب معهود، وكتاب معروف، بحيث إذا قيل الكتاب علم السامع أن المراد به القرآن المجيد .


عدل سابقا من قبل مسلم في الثلاثاء 13 أبريل - 2:43 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مسلم
رئيس تحرير المراسلين
مسلم


ذكر
عدد المساهمات : 31

تفسير سورة الكهف  ( من حلقات العلم الشرعي ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الكهف ( من حلقات العلم الشرعي )   تفسير سورة الكهف  ( من حلقات العلم الشرعي ) I_icon_minitimeالثلاثاء 30 مارس - 22:56

ثم وصف الله - تبارك وتعالى - هذا الكتاب بوصفين، قال ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا* قَيِّماً ﴾ وصف الله تعالى الكتاب الذي أنزله على عبده محمد - صلى الله عليه وسلم - بوصفين: لم يجعل له عوجا، والوصف الثاني: قيما، فنفى الله - تبارك وتعالى - العوج عن القرآن الكريم، نفى الله تعالى العوج عن الكتاب المبين، فهو كتاب بيّن واضح لا عوج فيه، لا عوج في ألفاظه، ولا عوج في تراكيبه، ولا عوج في معانيه، القرآن الكريم على طوله -مائة وأربع عشرة سورة- الاستقامة هي عنوانه، الاستقامة هي سابغته من أول ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[الفاتحة:2] إلى ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس:1] .
والاستقامة ظاهرة في كل حرف، وفى كل لفظ، وفى كل خبر من أخبار هذا القرآن الكريم، لم يجعل الله - تبارك وتعالى - في هذا الكتاب عوجا، فهو كتاب قيّم ومستقيم من أوله إلى آخره، وهذه الاستقامة في الكتب لا تكون إلا في كتاب الله - عزّ وجلّ - هذه الاستقامة في الكتاب من أوله إلى آخره لا توجد إلا في كتاب الله - عزّ وجلّ - .
ترى كتاباً مؤلفاً، ألفه إنسان ما، فتعجب به؛ فتقرأه، فترى فيه مواضيع في قمة القوة، مواضيع حيوية أعجبتك، وملكتك، ورضيت عنها، فتقرأ فيه مواضيع أخرى، فترى أن بها من الضعف ما يجعلها تنزل إلى مرتبة أدنى عن مرتبة المواضيع السابقة، مواضيع في منتهى القوة، ومواضيع في منتهى الضعف؛ لأن هذا صنع البشر، ترى كتاباً تقرأ فيه موضوعاً سيملك، ويستولي عليك، ويسيطر عليك؛ فتعجب بهذا الكتاب، وتظن أنه هكذا على هذه الوتيرة دائماً، فتريد أن ترجع إليه في موضوع آخر، وأنت على أمل أن يشفي غليلك، ويروي غليلك، وإذا بهذا الكتاب لم تخرج منه بأي فائدة في هذا الموضع الذي قصدته في المرة الثانية بعدما سيطر عليك الموضوع الأول، لماذا ؟ لأن هذا هو شأن الكتب المؤلفة التي يؤلفها البشر .
ولذلك رُوي عن الإمام الشافعي - رضي الله عنه - أنه لما فرغ من كتابة كتابه العظيم الأم، قال لأحد تلاميذه: اقرأ علي، فقرأ عليه، فأخذ يصحح ما كتب حتى فرغ من القراءة، ثم قال: أعد علي القراءة، اقرأ مرة ثانية، فقرأ فجعل يصحح حتى فرغ منه، ثم قال: أعد القراءة للمرة الثالثة: فأعادها التلميذ، والإمام يصحح، فبعدما فرغ من التصحيح للمرة الثالثة، قال: حسبك -يا بني- أبى الله أن يكون كتاباً كاملاً إلا كتابه .
فكتاب الله - عزّ وجلّ - نفى الله تعالى عنه العوج ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ﴾ فهو كتاب مستقيم من أوله إلى آخره، القوة في أقصر سورة، كما هي في أطول سورة، والقوة في أقصر آية، كما هي القوة في أطول آية؛ لأنه كتاب الله رب العالمين.
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾ قال بعض العلماء: هذا الوصف الثاني قيم مستفاد من الوصف الأول وهو نفي العوج، لما نفى عنه العوج أفاد أنه قيم، لكن الله - سبحانه وتعالى - صرح بالوصف الثاني، قيما ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾ لماذا جمع بين الوصف بالقيم ومع نفي العوج ؟
قال العلماء: الشيء تراه فتظنه مستقيماً، فإذا دققت فيه النظر وقفت فيه على بعض العوج، قد ترى الشيء فتظنه مستقيماً، فإذا دققت فيه النظر اطلعت فيه على عوج؛ فأراد الله - سبحانه وتعالى - حين نفى العوج عن كتابه أن يقول: إنكم مهما دققتم النظر، وأعدتم النظر وكررتم النظر في هذا الكتاب، فستجدوه على هذه الاستقامة، ولن تجدوا فيه عوجاً أبداً؛ لأنه كلام الله رب العالمين، وليس كلام البشر المخلوقين؛ ولذلك الله - سبحانه وتعالى - لفت أنظارنا إلى إحكام خلقه في السماوات والأرض فقال ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ ﴾[الملك:3-4] فلعله فاتك في المرة الأولى ما تجده في المرة الثانية، النتيجة مع تكرار النظر إلى السماوات للحصول فيها على أي خلل ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير، وكذلك مهما قرأ أهل اللغة وأهل البلاغة القرآن الكريم لن يجدوا فيه عوجاً أبداً، لأن الله قال ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾.
ولذلك قال الله - تبارك وتعالى - في سورة طه ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ﴾ فأراد الله - سبحانه وتعالى - أن يستدلوا على إحكام التنزيل بإحكام الخلق، قال: هذه السماوات أمامكم مرفوعة، وهذه الأرض تحتكم موضوعة، انظروا هل تجدوا فيها من خلل ؟ لن تجدوا في السماوات والأرض أي خلل، فهو خَلْقُ الله المحكم، وكذلك القرآن تنزيل الله المحكم؛ ولذلك قال تعالى ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾[هود:1] .
ثم ذكر الله - سبحانه وتعالى - وظيفة القرآن وحكمة تنزيله، فقال - سبحانه وتعالى - ﴿ لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ ﴾.
فوظيفة القرآن أنه نذير وبشير، هكذا وصفه الله -تعالى- هنا في سورة الكهف، ووصفه أيضاً في سورة الإسراء في قوله تعالى، ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً * وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾[الإسراء:9-10] .
وقال هنا في سورة الكهف ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾ لماذا أنزل الله على عبده الكتاب؟ ﴿ لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ فوظيفة القرآن الإنذار والتبشير، فهو نذير وبشير.
﴿ لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ ﴾ البأس هو العذاب، ووصفه الله تعالى بالشدة، وأكد على شدة العذاب بقوله ﴿ مِنْ لَدُنْهُ ﴾ ﴿ لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ ﴾ من عند الله - سبحانه وتعالى - وإنما قيد العذاب والبأس الشديد بأنه من عند الله؛ ليفيد قوته وشدته؛ لأن الله -تعالى- قال ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾[الفجر:25-26] .
وقال ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾[البروج:12] .
وقال ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾[هود:102] .
وقد أنكر الله - سبحانه وتعالى - على الكفار الذين استعجلوا العذاب في الدنيا قبل الآخرة فقال تعالى ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾[المعارج:1-3] .
وأقسم - سبحانه وتعالى - على وقوع هذا العذاب بمستحقيه فقال - سبحانه وتعالى - ﴿ وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ﴾[الطور : 1-8].
﴿ لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ومن هم المؤمنون الذين يستحقون هذه البشارة؟ ﴿ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ ﴾ والعمل لا يكون صالحاً حتى تتوفر فيه ثلاثة شروط :
الشرط الأول : الإخلاص لله - سبحانه وتعالى - .
فبالإخلاص أمر الأولين والآخرين، فقال عن الأولين ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾[البينة:5] .
وقال لنا نحن الآخرين آخر الأمم ﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾[غافر:14] .
وقال ﴿ هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[غافر:65] .
وقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر:2-3] .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه ) فلابد لكل عامل إذا أراد أن يعمل عملاً يتقرب به إلى الله أن يخلص النية لله - سبحانه وتعالى - وأن يجردها من شوائب الشرك، والنفاق والرياء .
الشرط الثاني لكون العمل صالحا: متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وموافقة هديه في هذا العمل، فإن الله - تبارك وتعالى - أمر باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ﴿ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾[الأعراف: 158] .
وقال ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[آل عمران:31] فلابد أن يكون العمل الذي تعمله لله على هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدعنا إلى صالح العمل نظرياً، وإنما دعانا إليه نظرياً، وعلمنا إياه عملياً، دعا بوضوء؛ فتوضأ أمام أصحابه، ثم قال ( من توضأ نحو وضوئي هذا ) وصلى، وقال ( صلوا كما رأيتموني أصلى ) ولما أراد الحج أذن في الناس أنه حاج؛ فجاؤه من كل فج عميق، فقال ( خذوا عني مناسككم ) فلابد من موافقة السنة في عملك الذي تتقرب به إلى الله بعد إخلاصك فيه لله - عزّ وجلّ - وفى ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو رد ) وفى رواية ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد ) .
فلابد من الإخلاص لله، ولابد من المتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهما توحيدان لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد المرسِل بالعبادة والطاعة، وتوحيد المرسَل - صلى الله عليه وسلم - بالاتباع.
ثم هناك شرط ثالث؛ ليكون العمل صالحاً: وهو أن يكون العامل مؤمنا قال الله تعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾[النحل:97] وقال ﴿ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ﴾[غافر: 40] فلابد بعد الإخلاص والمتابعة من أن يكون العامل مؤمناً بالله - عزّ وجلّ - ومؤمنا بكل ما أمر الله بالإيمان به .
فالكافر بالله - عزّ وجلّ - لا يكون عمله مقبولا، كما قال الله تعالى ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ﴾[إبراهيم:18] .
﴿ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴾ ما الأجر الحسن ؟ الجنة، قال الله تعالى ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾[يونس:26] والحسنى هي الجنة والزيادة هي النظر إلى وجه الله - عزّ وجلّ - ﴿ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴾ يعني الجنة، كما قال -تعالى- ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾[البقرة: 25] ولذلك سماها الله الحسنى ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ ﴿ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً ﴾ يعني إذا دخلوا الجنة ماكثين فيها أبداً ﴿لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلً﴾[الكهف:108] ﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾[الحجر:48] وهذا الخلود في الجنة، وهذه الدوام هو الذي يسعد أهل الجنة بنعيمها الذي يسعد أهل الجنة هو البقاء، والخلود، وطول المكث، وعدم الخروج؛ لأن الإنسان في الدنيا إذا وسع الله -تعالى- عليه في الرزق، وبسط له فيه، إذا كان من المنعمين المترفين، لا يلتذ بهذا النعيم، ولا يطمئن، ولا يفرح به الفرح الشديد، لماذا ؟ لأنه يعلم أن هذا النعيم ربما يزول، وإن بقي هذا النعيم سيفنى ويموت، فصاحب النعيم في الدنيا قلق على ما هو فيه من النعيم، مضطرب خائف من الموت الذي سيخرجه من هذا النعيم، وخائف منه إذا طال عمره أن يسلب هذا النعيم قبل الموت؛ فلذلك المنعمون في الدنيا المترفون فيها غير مطمئنين، بل هم في قلق دائم، أما أهل الجنة، فإنهم إذا دخلوها نودوا مبشرين بالخلود، (إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يؤتى بالموت على صورة كبش أملح، فيوضع على سور بين الجنة والنار، ونودي يا أهل الجنة، فيشرأبون ينظرون، ويا أهل النار، فيشرأبون ينظرون، قال: أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، إنه الموت فيذبح هذا الكبش الذي يمثل الموت، وينادى يا أهل الجنة، خلود بلا موت، ويا أهل النار، خلود بلا موت.)
وفى الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( إذا دخل أهل الجنة الجنة، ناداهم مناد يا أهل الجنة، إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وأن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وأن تشبوا في تهرموا أبدا ) .
فإيمان أهل الجنة ببقاء النعيم ودوامه، وعدم موتهم الذي يحرمهم من النعيم، هو الذي يجعلهم يجدون اللذة والمتعة في نعيم الجنة؛ ولذلك حكى الله - تبارك وتعالى - في سورة الصافات بعد أن ذكر نعيم أهل الجنة: أن رجلا من أهل الجنة، قال لإخوانه في الجنة: إني كان لي قرين، كان لي في الدنيا صديق ملحد كافر، يحثني على الكفر، ويصدني عن الإيمان ﴿ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ [ الصافات : 52-53] ثم أقبل على إخوانه أهل الجنة قائلا ﴿ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ﴾[الصافات:54] ألا تطلعون معي على النار لننظر أين ذهب صاحبي هذا الملحد؟ الذي كان يشككني في ديني وفى الإيمان في الدنيا ﴿ فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴾[الصافات:55] قال: وقد رأى صاحبه معذبا ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾[الصافات:57،56].
فلما رأى العذاب بعدما رأى النعيم الذي هو فيه، أراد أن يطمئن على دوام نعيمه، وبقائه، وخلده؛ فأقبل على إخوانه أهل الجنة ﴿ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾[الصافات:59،58] قالوا: نعم ، قال ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾[الصافات:60] .
فالقرآن أنزل ﴿ لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مسلم
رئيس تحرير المراسلين
مسلم


ذكر
عدد المساهمات : 31

تفسير سورة الكهف  ( من حلقات العلم الشرعي ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الكهف ( من حلقات العلم الشرعي )   تفسير سورة الكهف  ( من حلقات العلم الشرعي ) I_icon_minitimeالثلاثاء 30 مارس - 22:58

وأنزل القرآن لينذر ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾ .
الفرق بين الإنذار الأول، والإنذار الثاني، أن الإنذار الأول عام لينذر جميع الكافرين بأساً شديداً من عند الله - عزّ وجلّ - عذاباً شديداً ينتظرهم إن هم أصروا على الكفر، ولم يقلعوا عنه .
وأما الإنذار الثاني: ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾فهذا خاص بالذين زعموا لله الولد -وتعالى الله عن اتخاذ الولد- ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾.
الله - سبحانه وتعالى - لا والد له، ولا ولد له ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾[الشورى: 11].
فقول لله ولد هذا قول عظيم جداً، انظر إلى توبيخ الله - تبارك وتعالى - لقائليه ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ .
كبرت كلمة تخرج من أفواههم، ما لهم به من علم ولا لأبائهم، على ما استندوا في ادعاء الولد لله - عزّ وجلّ - أي دليل، أي حجة، أي برهان؛ ولذلك قال الله تعالى ﴿ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا ﴾ والسلطان هو البرهان والحجة ﴿ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾[ يونس:6].
إن الكلام الذي لا ينبني على علم كلام مردود على صاحبه كما قال القائل :
والدعاوى إذا لم تقم عليها بينات أبناؤها أدعياء
الذين قالوا اتخذ الله ولدا، ما حجتهم، ما دليلهم، ما برهانهم ؟ ﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ ﴾ عظمت ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ إنها كلمة عظيمة: كلمة لله ولد كلمة عظيمة، قال الله فيها ﴿ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم : 90-95].
﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ .
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصاً كل الحرص على إيمان الناس؛ ليخلِّصوا أنفسهم بهذا الإيمان من عذاب الله - عزّ وجلّ - الذي خوفهم منه، وأنذرهم إياه، فطر الله -تعالى- نبيه - صلى الله عليه وسلم - على رحمة عظيمة جداً، فكان من شدة رحمته يحزن على كفر الكافرين، وتكذيب المكذبين، وإعراض المعرضين، كان يحزن جداًَ حتى كاد يقتله الحزن؛ فنهاه الله - سبحانه وتعالى - عن ذلك فقال: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ فلعلك يا نبينا باخع نفسك: أي قاتل نفسك، ومهلكها على آثارهم؛ بسبب أنهم لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً عليهم ﴿ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾[فاطر: 8] .
لا تحزن عليهم إن عليك إلا البلاغ، وقد بلغت فلا يحزنك كفرهم، ولا يحزنك إعراضهم قد حملت رسالة، وقمت ببلاغها أو بتبليغها على أكمل وجه، فمن اتبعك فقد أنجى نفسه، ومن كذبك وعصاك فقد أوبق نفسه، فلا يحزنك كفرهم يا نبينا ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ عليهم، يقول - صلى الله عليه وسلم - ( مثلى ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنت تفلتون من يدي ) - صلى الله عليه وسلم - .
نسأل الله - سبحانه وتعالى - كما رزقنا الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - أن يرزقنا اتباعه، واقتفاء أثره، والالتزام بمنهجه، والعمل بسنته، إنه ولى ذلك والقادر عليه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الزهرة الرائعة
مشرف قسم القصص والروايات
الزهرة الرائعة


انثى
عدد المساهمات : 278

تفسير سورة الكهف  ( من حلقات العلم الشرعي ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الكهف ( من حلقات العلم الشرعي )   تفسير سورة الكهف  ( من حلقات العلم الشرعي ) I_icon_minitimeالأربعاء 16 فبراير - 21:02

بارك الله فيك اخى مسلم


واثابك الجنة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة الكهف ( من حلقات العلم الشرعي )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الاربعون حديث النوويه ( من حلقات العلم الشرعي ).
» السفر إلى الماضي بين العلم والقرآن
» تفسير القرآن الكريم .. فقط ضع الماوس على الآية التي تريد ..~
» عجزت عن تخيل العلم بدون ستر الله علينا
» السيره بايجاز(سؤالهم عن الروح وأهل الكهف )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مســـلمون بـــلا حــدود  :: المنتدى الاسلامى :: قسم القرآن الكريم-
انتقل الى: